06 April 2014

قراءة في نتائج الانتخابات المحلية التركية [05-04-2014][10:40:17 مكة المكرمة] إسماعيل حامد شكلت الانتخابات البلدية التركية الأخيرة محطة مهمة للواقع السياسي التركي، خاصة، وقد واكب إجراء الانتخابات هجمة شرسة من قبل وسائل الإعلام ضد حزب العدالة والتنمية وضد أردوغان مع مشاركة من الشرق قبل الغرب وإن اختلفت الأسباب والدوافع، وهي انتخابات لم تشهد تركيا مثلها منذ الانتقال إلى النظام الديمقراطي والتعددية الحزبية، فقد تعرض الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" لمواقف هزت صورته لدى الشعب التركي ومن ذلك: 1. انفجار الصراع بينه وبين جماعة فتح الله كولن صاحب النفوذ الكبير في مؤسسات الدولة والمجتمع. 2. الحملة الشرسة التي شنتها الجماعة على الحكومة من خلال التسجيلات المسربة. 3. فضيحة الفساد المالي التي دفعت أربعة وزراء على الاستقالة من الحكومة. 4. استطلاعات الرأي المزيفة التي أشارت لتراجع شعبية الحزب وتفوق المعارضة. 5. قرار حظر الحكومة التركية مؤخرًا لموقع التواصل الاجتماعي "تويتر". 6. أزمة حديقة "جيزي" في تقسيم قبل أشهر وما رافقها من فض الشرطة للمعتصمين وسقوط ضحايا. 7. إخضاع السلطة القضائية للإشراف الحكومي بإقرار قانون يسعى إلى هيكلتها وتقويض عملها باستقلالية تامة. كل ذلك وغيره جعلها انتخابات ساخنة، وجعل الخارج قبل الداخل يترقب نتائجها، فكانت انتخابات محلية بطعم البرلمانية، جرت وسط خلافات شديدة وتوتر سياسي وشحن إعلامي وتسريبات قاتلة وفضيحة فساد وتضييق على حريات، فتصورت المعارضة أنها ستوقع هزيمة قاصمة بالحزب الحاكم، وأن هذه الوقائع ستكسر أردوغان، مما يجعله يلجأ إلى انتخابات برلمانية مبكرة ليدرك نفسه قبل السقوط المدوي، ويضاف إلى ذلك حملات الهجوم الخارجية من الدول التي تقف ضد تحالف تركيا وتضامنها مع ثورات الربيع العربي وبخاصة في سوريا ومصر، فكانت انتخابات محلية اجتمع الغرب والعرب والصوفية والليبرالية والصهاينة وبعض دول الخليج و24حزبًا داخل تركيا لإسقاط أردوغان في تلك الانتخابات. لقد قرأ الأتراك المؤيديون لأردوغان والمتعاطفون معه الأحداث الأخيرة على أنها مؤامرة حيكت ضد تركيا مما دفعهم إلى الالتفاف حول رئيس الوزراء التركي والدفاع عنه أكثر من أي وقت مضى، ولقد دخل أردوغان هذه الانتخابات مدعومًا بالمشاريع الكبيرة التي حققها في اسطنبول، من إنجاز مشروع مرمري، الذي يربط قسمي المدينة الأوروبي والآسيوي بخط «مترو» يمر من أسفل مضيق البوسفور، والبدء بإنشاء مطار اسطنبول الثالث الضخم في أراضي شمال المدينة على ساحل البحر الأسود، إضافة إلى جسر ثالث على البوسفور يربط قسمي المدينة أيضًا، وهكذا نجح أردوغان في قلب الموازين، وخالف التوقعات، وحقق نجاحًا جديدًا مهمًّا لشخصه ولحزبه، مما جعل وكالة الأنباء الفرنسية تقول "حزب أردوغان يفوز" في إشارة إلى ارتباط الحزب باسم أردوغان نفسه كزعيم تاريخي، ولقد شهدت الانتخابات معارك شرسة أطلق عليها المراقبون "أم المعارك" ونعني بها صراع المدن الكبرى في كل من "اسطنبول وأنقرة وأزمير" وكذلك الصراع القومي الإسلامي، وكان من أهمها: 1. مدينة اسطنبول: بعدد سكانها ورمزيتها وتمثيلها لأطياف وأعراق وطوائف المجتمع التركي، والفائز بها يحكم تركيا، ولذلك قام حزب الشعب الجمهوري بالتنسيق مع حزب الشعوب الديمقراطية "الكردي" من أجل دعمهم لمرشح حزب الشعب باسطنبول "صاري جول" والذي سبق طرده من الحزب بتهمة الفساد، لإفشال مرشح الحزب الحاكم "طوباش". 2. بلدية أنقرة: والتي لجأ فيها حزب الشعب الجمهوري اليساري، إلى ترشيح شخص يميني محسوب على حزب الحركة القومية ليستميل المحافظين والقوميين وربما أيضًا جماعة كولن لاسترداد بلدية العاصمة التي يرأسها العدالة والتنمية منذ سنوات طويلة. 3. معركة أزمير، قلعة حزب الشعب الجمهوري التقليدية، والتي دفع الحزب الحاكم بأحد أنجح وزرائه، وهو وزير المواصلات السابق، لتلك البلدية لوقف سيطرة وتفوق حزب الشعب فيها. 4. مدينة هاتاي "الإسكندرون" التي بها أكثرية من العرب والعلويين، فاستغل حزب الشعب انشقاق رئيس بلديتها لطفي سافاش عن الحزب الحاكم فقبله وقدمه للترشح باسمه. 5. معركة "ديار بكر" الشرسة ومعها الولايات الكردية، حيث حرص حزب العدالة على تأكيد شعبيته بين الأكراد وأنها ليست ضعيفة، بل قابلة لتجاوز شعبية حزب السلام والديمقراطية المؤيد من حزب العمال الكردستاني، مما جعله يفوز بـ9 ولايات كردية. الرابحون والخاسرون: 1- أول الرابحين هو الشعب التركي والذي ظهر مدى الوعي لديه، فلا استطلاعات الرأي ولا حتى بعض الفساد في الإدارة، ولا التضييق الجُزئي على قسمٍ من الحُريات ولا صراع الأحزاب ولا الخداع الإعلامي أثر في توجيه الرأي العام التركي بل الأهم من ذلك كُله يتمثل في الانتعاش الاقتصادي وتحسُن الحالة المعيشية لأغلبية الناس. 2- يعد حزب العدالة والتنمية وأردوغان من أكثر الرابحين، فقد زادت نسبته عما كانت عليه في 2009، بل وإن بعض "قلاع" حزب الشعب الجمهوري- المعارض الرئيسي- قد سقطت في يده، ومنها أنطاليا وهاطاي وصامسون، وأيضًا حسم الفوز برئاسة أهم بلديتين في تركيا "أنقرة واسطنبول" والتي سميت الانتخابات بسببهما بمعركة المدن الكبرى واللتين يقطنهما عشرون مليون مواطن من أصل ثلاثة وسبعين مليون مواطن في تركيا وهذا يعطي دلالة على قوة وشعبية الحزب في كافة الطبقات الاجتماعية وليس فقط في الأقاليم الريفية، وسيطرته على بلديتي اسطنبول وأنقرة يحفظ له سلطته على مقاليد الحكم في تركيا. 3- أما حزب الشعب الجمهوري فقد خسر الكثير من معاقله ولم يحقق ما كان يطمح إليه، ولكنه في الوقت ذاته اكتسب المزيد من التأييد الشعبي وحقق نسبة أكبر مما كانت عليه في 2009. 4- أثبتت الانتخابات أن جماعة كولن ما هي إلا بالون كبير وليس لها حضور يذكر في الشارع التركي. 5- حزب السلام الديمقراطي أثبت أنه لا زال يتحدث باسم الأقلية الكردية بعدما اكتسح ديار بكر ومعظم الولايات الكردية مما يؤهله للدخول في عملية سلام دائمة في الإقليم الكردي مما قد يكون له تأثير على الساحة العراقية المجاورة فيما يخص (إقليم نينوى العراقي- نفط إقليم كردستان- فتح معابر أخرى بين تركيا والإقليم) وربما أهداف أخرى بعيدة المدى. 6- فوز العدالة والتنمية برئاسة بلديات في 49 ولاية تركية منها 9 ولايات ذات أغلبية كردية، بينما فاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلدية 13 ولاية، مقابل 10 ولايات لحزب السلام والديمقراطية، و8 لحزب الحركة القومية، ومستقل في ولاية ماردين، يظهر موازين القوى الحقيقية لكل حزب. 7- ومن أبرز الفائزين من حزب العدالة والتنمية، مرشح الحزب "إبراهيم مليح كوكجك"، الذي فاز برئاسة بلدية العاصمة أنقرة بعد منافسة شرسة مع مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض "منصور يافاش"، بينما فاز "قدير طوباش" مرشح الحزب أيضًا، برئاسة بلدية مدينة اسطنبول، بعد تغلبه على مرشح الشعب الجمهوري "مصطفى صاري غل" كما فازت وزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعية السابقة "فاطمة شاهين" برئاسة بلدية غازي عنتاب. 8- ومن أبرز الخاسرين من حزب العدالة، وزير المواصلات السابق "بن علي يلدريم"، ووزير العدل السابق "سعد الله أرغين"، إذ خسر الأول أمام مرشح الحزب الشعب الجمهوري في ولاية إزمير، بينما خسر الثاني أما مرشح نفس الحزب في ولاية هاطاي وعلى الصعيد الخارجي فهناك رابح وخاسر: 1- فإن أكثر الرابحين هي ثورات الربيع العربي والتي كانت تنتظر بارقة أمل ورسالة تفاؤل من خلال هذه الانتخابات لما يقدمه أردوغان من دعم معنوي لهم، فهي انتخابات تعلن لكل شعوب العالم عامة ومصر خاصة بأنه قد انتهى زمن العسكر والانقلابات العسكرية. 2- لعل انتصار حزب العدالة والتنمية في تركيا يعطي التفاؤل لحزب العدالة والرفاهية في إندونيسيا والذي يقبل على انتخابات مصيرية خلال أيام قليلة والذي يشهد معركة شبيهة بمعركة انتخابات تركيا. 3- قطاع غزة من أكثر الرابحين، فقد اتفق مراقبون فلسطينيون على أن فوز حزب "العدالة والتنمية" قد ينعكس بالإيجاب على قطاع غزة المحاصر إسرائيليًّا للعام الثامن على التوالي، وأن تركيا بوزنها الإقليمي والدولي، قد تدفع في اتجاه تخفيف وطأة الحصار وانتشال قرابة مليوني مواطن، من كارثة إنسانية غير مسبوقة. 4- أكثر الخاسرين هنا حكومة الانقلاب في مصر والفضاء الإعلامي المصري والذين كانوا ينتظرون إخفاق حزب العدالة والتنمية ليثبتوا أن حكم الإسلاميين في تركيا قد لحق بحكم إخوان مصر في الزوال. 5- ومن الخاسرين نظام بشار والذي كان يستعد لإقامة الأفراح لو سقط حزب أردوغان أحد الداعمين للثورة. 6- ومن الخاسرين أيضًا الكيان الصهيوني، فقد حذرت أوساط صهيونية رسمية من فوز أردوغان، معتبرة أن ذلك "سيسهم في إضفاء تشدد على مواقفه من إسرائيل". إشارات في خطاب النصر: حينما وقف أردوغان يلقي خطاب النصر شكر كل من كانوا يدعون له في فلسطين ومصر وسوريا وأعطى رسائل وإشارات هامة كان منها: الشعب يقول بشكل واضح أن السبيل الوحيد لتغيير أي حكومة منتخبة ديمقراطيًّا هي الانتخابات- اليوم سياسة اللا أخلاق خسرت، سياسة الكاسيتات والتنصت خسرت، سياسة توسل الانقلاب على الحكومة خسرت- هل سيستقيل رؤساء أحزاب المعارضة فتركيا بحاجة اليوم إلى معارضة جديدة- حان وقت تطهير مؤسسات الدولة ممن تغلغلوا فيها بطريقة أو بأخرى ولكن بالقانون ولن نسلم الوطن الذي عجن ترابه بدماء الشهداء لبنسلفانيا وأذرعها الخائنة بتركيا- لم نأت لنكون أسيادًا بل خدمًا لهذا الشعب وسنبقى نخدم هذا الشعب في أي مسئولية يضعها على أعناقنا- اليوم هو يوم عرس تركيا الجديدة. وفي الختام لا نملك إلا أن نهنئ ‫‏تركيا بانتصار ديمقراطيتها على مؤامرات الصغار وانضمامها لنادي الكبار، ونقول لحزب العدالة والتنمية ولزعيمه أردوغان شكرًا لكم فقد أحييتم الأمل في نفوسنا وأشعرتمونا أن نصر الله قادم، فإن شعوبنا التي تكافح لنيل حريتها من حكم العسكر في مصر وحكم السفاح بشار في سوريا يسعدها انتصاركم "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله"، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

No comments: